languageFrançais

كيف خلّف الإحباط الدولي من سياسات ترامب موجة اعترافات بفلسطين؟

تزايدت مظاهر الاستياء الدولي من موقف واشنطن إزاء العدوان على غزة لتطفو إلى السطح خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، بعدما أقدمت دول حليفة للولايات المتحدة على الاعتراف رسميا بدولة فلسطينية، في خطوة اعتُبرت تحديا مباشرا لسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة.

وعود زائفة

ترامب، الذي وعد في بداية ولايته الثانية بإنهاء الصراع بين إسرائيل وحماس بسرعة، بات يبدو في موقع المتفرج بينما تتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، وسط تردده في ممارسة أي ضغط على أبرز حلفائه. وزاد الموقف تعقيدا الضربة التي نفذتها إسرائيل مؤخرا ضد قيادات من حركة حماس في قطر، ما أحبط الجهود الأمريكية الأخيرة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن.

 

وفي خطوة رمزية لافتة، أعلنت كل من فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا قبل انعقاد الجمعية العامة وخلالها اعترافها بدولة فلسطينية، متجاهلة تحذيرات ترامب من أن مثل هذه الخطوات تمثل "هدية" لحماس. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صرّح بأن ترامب لن ينال جائزة نوبل للسلام إلا إذا أوقف الحرب، مشيرا إلى أن النفوذ الحقيقي بيده لأنه المزوّد الأكبر لإسرائيل بالسلاح والدعم السياسي.

وأصرت فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وغيرها على أن الاعتراف بدولة فلسطينية سيساعد في الحفاظ على فرص "حل الدولتين" للصراع الطويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين وسيساعد على إنهاء حرب غزة.

لا نية لاستخدام ترامب أوراق ضغط على اسرائيل

ولاتزال الولايات المتحدة في صدارة أكبر مزودي إسرائيل بالأسلحة، وتوفر تاريخيا الحماية الدبلوماسية لها في الأمم المتحدة والمحافل العالمية الأخرى. 

ورغم أنه التقى على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بزعماء من السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان، لم يقدم ترامب أي إشارات إلى نيته استخدام أوراق الضغط الأمريكية مثل وقف الإمدادات العسكرية أو الحماية الدبلوماسية في مجلس الأمن، حيث استخدمت واشنطن مؤخرًا الفيتو ضد مشروع قرار يدعو لوقف فوري ودائم لإطلاق النار.

ماذا بعد موجة الاعترافات بدولة فلسطين؟

ورغم تأكيد ترامب أن موجة الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطين ليست أكثر من تصريحات رمزية صادرة عن بعض حلفاء الولايات المتحدة، إلا أن هذه الخطوات من شأنها تقويض خطط إسرائيل وترامب المحتملة بشأن اجتياح بري لغزة أو تهجير سكانها.

ولا شك أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة زاد من المخاوف من أن استمرار الحرب يهدد مستقبل "اتفاقات التطبيع"، خاصة في ظل تحذير الإمارات من إمكانية تعليق مشاركتها في الاتفاق إذا مضت إسرائيل في خططها لضم الضفة الغربية.

فمثل هذه الخطوة قد تُطيح أيضًا بأي فرصة لانضمام السعودية إلى الاتفاقات، رغم أن نتنياهو على الأرجح لن يتخذ قرارًا بهذا الحجم دون موافقة ترامب، الذي لا يزال موقفه من القضية غير واضح.

في المقابل، يرى محللون أن ترامب سيواصل دعم إسرائيل علنًا، مع احتمال ممارسة ضغوط محدودة خلف الكواليس على نتنياهو. غير أن الضربة في الدوحة وإصرار حكومة إسرائيل المتشددة على رفض قيام دولة فلسطينية يضعان إدارة ترامب أمام اختبار صعب بين طموحه لترك بصمة دبلوماسية، وضغوط الحلفاء الغاضبين، والتكلفة الإنسانية والسياسية المتصاعدة للحرب على غزة.
وهكذا، فإن الإحباط المتصاعد من سياسات ترامب المنحازة لإسرائيل لم يعد يعبّر عنه فقط عبر الانتقادات الدبلوماسية، بل تُرجم إلى خطوات سياسية ملموسة تمثّلت في موجة الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين. في لحظة تاريخية يتداخل فيها العجز الأميركي مع تصاعد الغضب الدولي، يبدو أن العالم بدأ يعيد صياغة موقفه من القضية الفلسطينية خارج مظلة واشنطن، في رسالة واضحة: إذا تخلّت القوى الكبرى عن العدالة، فستتولّى الشعوب والدول مسؤولية تصحيح المسار.

منتصر اليحياوي